وزاحَمَني عندَ استلامي أوانسٌ
أتينَ إلى التطوافِ مُعتجراتِ
حَسَرنَ عن أنوارِ الشُّموسِ، وقلنَ لي
تورّع، فموتُ النفسِ في اللحَظاتِ
وكم قد قتَلنا، بالمُحَصَّبِ من مِنىً
نفوساً أبيّاتٍ لدَى الجَمَراتِ
وفي سَرحةِ الوادي وأعلامِ رامةٍ
وجَمعٍ، وعند النّفْرِ من عَرَفاتِ
ألم تدْرِ أنّ الحُسنَ يسلُبُ مَن لهُ
عفافٌ، فيُدعى سالبَ الحَسناتِ
فموعدُنا بعدَ الطّوافِ بزَمزَمٍ
لدى القُبّةِ الوُسطى لدى الصّخراتِ
هُنالكِ مَن قد شفّهُ الوَجدُ يَشتفي
بما شاءَهُ من نسوَةٍ عَطراتِ
إذا خِفنَ أسدَلنَ الشعورَ فهنّ من
غدائرها في ألحُفِ الظُّلُماتِ

1- يقول : لما امتدت اليمين المقدسة إلي لأبايعها البيعة الالهية، من قوله تعالى: ( إنما يبايعون الله يدُ الله فوق أيديهم) الفتح : 10
جاءت الأرواح الحافون من حول العرش يسبّحون بحمد ربهم ويطلبون يبايعونه هذه البيعة في هذه الحال التي أقمت فيها. وسماهم أوانس لوقوع الأنس بهن وأنثهم لأن اللفظة التي تطلق عليهم تقتضي التأنيث وهو الملائكة والجنة ولهذا جعلهم من بنات وإناثا. وقوله : معتجرات، أي غير مشهودة له سبحات وجوههم لأنهم غيب لا نراهم.
2- يقول : ظهرن له وارتفع الحجاب فسطعت أنوارهن لعَينِه مثل الشموس. واختص ذكر الحافين حول العرش لمناسبة الطائفين فإنهم حافون حول الكعبة، وقوله: تورّع، يقول : اجتنب الملاحظة لئلا تذهب بنور بصرك المقيّد، كما جاء : " لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه ".
فيقول : هذه الأرواح تقول له لا تنظر إلينا فتعشق بنا حلالً ومقاماً، وأنت إنما خلقت له لا لنا، فإن احتجبت بنا عنه أفناكَ عن وجودك به فمت فتكون عليك لحظة مشؤومة. فنصحوه بقولهم : تورّع، تنبيهاً.
3- يقول : كم من نفس أبيّة، يعني بالنفوس الأبية التي تحب معالي الأمور، وتكره مذام الأخلاق والتعلّق بالأكوان، ومع هذا حجبهم وتيّمهم جمال الأكوان في أوقات ( الوقت هو حال العبد في زمان الحال، لا تعلق له بالماضي ولا بالمستقبل والصوفي إبن وقته ) ما وفي مقامات ما فتحفظ لئلا تلحق بهم.
ولم يريدوا أنفسهم خاصة بهذا الخطاب فإن هؤلاء الأرواح ما لهم دخول في المحصّب ولا غيره فإنهم حافّون وليس لهم مناسبة إلا مع الطائفين وإنما تعني أمثالها من الأرواح في كل مقام، كما قال : " كخيفتكم أنفسكم " (الروم : 28 ) يعني أمثالكم، لا يريد عين نفس الخائف.
4- يقول : في هذه المواطن المذكورة كلها ماتت نفوس أبيات كانت تزعم أن لا تعلق لها ولا تعشق إلا بالنور المحض المطلق فلما تجلى عند مفارقتها ظلمة الطبيعة والهباء وارتفعت عن حضيضها إلى أنوار الروحانيات العُلى في هذه المواطن وأمثالا بهرها حُسن ذلك النور وجماله وبهاؤه فوقفت معه عن مقصودها لجهلها به، فلا تكن مثلهم فتندم.
5- و 6- يقول : إن الجمال محبوب لذاته ومن ملكه شيء، كان لما ملكه. والحسنة مشتقة من الحسن، والحسن معشوق لذاته، والحسنة ما لها قوة الحسن، فإنها معنوية من باب الإيمان غيب في الشهود وهو من نتائج الأعمال الشاقة وتحمل المكاره، فهي نتائج مضافات ومكاره، فلهذا كان الحسن المشهود غالباً عليها حاكماً على من شاهده، فلهذا يقال له : سالب الحسنات لا يتركك التلذذ بمشهد الحسن فيمن كان إلا ما يشير به حامل ذلك الحسن، وقد يشير بما يحول بينك وبين معالي الأمور من حيث التوصل إليها لا من حيث هي، فإن التوصل إليها بالمكاره، كما قال (ص) : " حُفَّت الجنة بالمكاره "، وكما رأى بعض المشاهدين معروفاً في النار في وسطها وقد حفت به وكانت المكاره التي حازها إلى مكانه الذي رآه فيه يشير له في كشفه أنه لا يصل إلى مقامه إلا بعد أن يخوض غمرات تلك النيران، ثم قال : فموعدنا بعد الطواف بزمزم ...
يقول : تقول له هذه الروحانيات أشهدناها من مقامات الحياة التي نحن لها فإنها أرواح والمناسبة بينها وبين الماء الحياة. وقوله : لدى القبة الوسطى، يعني البرزح ( الروح الأعظم وعالم المُثل، يحول بين الأجسام الكثيفة والروح المجردة والشيخ والمرشد ، وهو حد بين الجنة والنار ) لدى الصخراتِ.
يقول : تنزل المعاني النفيسة في القوالب المحسوسة، وكنى عنها بالصخرات التي هي الجمادات الخيالية للعبادة والعرف. أي أن هذه الأرواح في هذه الصور الخيالية معانٍ لا ثبات لها فإنا سريعة الزوال من النائم باليقظة ومن المكاشف بالرجوع إلى حسه كما أن النساء اللواتي يصلن إلى ذلك الموضع يعمرنه ساعة ثم ينصرفن إلى أماكنهن، فلهذا وقع التشبيه بذلك.
يقول : لا تغتر بتجلي حسن الأكوان العلوية والسفلية لعينك فإن كل ما خلا الله باطل : أي عدم مثلك فكأنك مازلت عنك فكن له ليكون لك لا تكن لك فقد نصحوا، صلوات الله عليهم.
7- يقول : في عالم البرزخ يشتفي من أراد التلذذ بالمعاني القدسية في القوالب الحسية من عالم الأنفاس والأرواح، وسبب ذلك الجمع بين الصورتين المعنى والصورة فليلتذ عيناً وعلماً.
8- يقول : هذه الصور الجليلة إذا خفن في تجسدهن من تقييدهن بالصورة عما هي عليه من الإطلاق أشعرنك بأنهن حجاب على أمر هو ألطف مما رأيت فعندما تحسن أنك بذلك الشعور ارتفعت همتك لذلك فانسترت عنك فأخلين الصور واسترحن في التقييد وانفسحن في مراتبهن المنزّهة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق